العلم والعمل العلم والعمل

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الـــشك - طريقنا إلى اليقين و التحرر

الـــشك - طريقنا إلى اليقين و التحرر :
"الإنسان يجب أن يشك و لو لمرة واحدة في حياته" هكذا قال ديكارت معلقا على الشك، و نحن ندرك أن الإنسان رغم أنه أحسن مخلوق و في أحسن تركيب إلا أن طريق هذا الإنسان نحو الحقيقة أو اليقين يمر بمراحل قبل أن يدرك اليقين و جوهر الأشياء، و وسائله المستعملة في البحث عن الحقيقة من عقل و حواس، ليست معصومة ولا بالكمال و الدقة التي تجعل مخرجتها ترقى إلى الحقيقة الجوهرية أو اليقين دائما، فكثيرا مايعتريها النقص و الضعف. و كثيرا مانتفاجأ أن ما كنا نعتقده حقيقة بالأمس صار اليوم خرافة و خطأ، و ثمن ذلك الإعتقاد الخطأ أجزاء من أعمارنا و أوقاتنا ذهبت سدا و من غير فائدة! و قد نتساءل عن سبب عدم مراجعتنا لأنفسنا خلال سلوكنا لهذا الطريق؟ فببساطة النفس البشرية لا تراجع الأفكار و الأشياء التي تعتقد أنها حقيقة أو يقين مطلق! و سبب ذلك هو غياب الشك. الشك وحده الذي يجعلنا نقف في منتصف الطريق لنقرر و نراجع أنفسنا ما إذا كانت المواصلة في هذا الطريق تؤدي إلى الحقيقة أم إلى طريق مسدود؟ و لا يمكن أن نشك في أفكارنا و معتقداتنا و تصرفتنا و علاقاتنا بالأخرين إلا إذا كان الشك المنهجي جزء من عملية التفكير لدينا. و نحن نقصد بالشك المنهجي أن يكون أمرا مؤقتا و دوريا لا طبعا فينا يلازم شخصيتنا و إنما أسلوب و وسيلة نستعملها لحثنا على مراجعة أنفسنا و ما نقوم به بإستمرار و بشكل منظم أو كلما دعت الحاجة إلى ذلك.
الشك الأول الذي يجب أن نبتدأ به هو الشك في أنفسنا و إثبات وجودنا، و هذا مافعله الفيلسوف ديكارت حين قال مقولته الشهيرة : "أنا أشك إذا أنا أفكر، و أنا أفكر إذا أنا موجود". فكان الإنطلاق من الشك في وجوده ككل إلى أن أثبت وجوده بوجود عملية التفكير التي هي جوهر وجوده ثم إنتقل إلى الشك في الحواس و العقل و الحياة الشعورية، فمادام الإنسان يشك في كل هذه الأشياء فلابد أن يكون ناقصا، و مادم يشعر أنه ناقص فلابد أن تكون له فكرة عن الكمال، ثم يتساءل مادام هو ناقص و شعر بذلك و له تصور عن الكمال، فلابد أن يكون صاحب الكمال الوحيد هو من أودع فيه هذه الفكرة، و مادام الإنسان ناقص فالناقص لا يمكن إيجاد نفسه و إنما صاحب الكمال الوحيد هو من أوجده. و هكذا نصل إلى أن الله تعالى صاحب الكمال المطلق هو من أوجدنا و مادام الله تعالى كامل فهذا يتنافي مع أن يكون كاذبا وهو منزه عنه سبحانه وتعالى، و هذا يعني أن الفكرة التي أودعها فينا كانت حقيقية و أن و جودنا حقيقي و حياتنا الشعورية حقيقية أيضا مع بقاء النقص و العجز في الإنسان عن إدراك كل شيء، و الناقص لا بد أن تكون له أخطأ أو أعمال غير مكتملة، و هذه حقيقة وصلنا إليها عبر البرهان المنطقي إنطلاقا من الشك في وجودنا.
فبعد أن أدركنا أن الإنسان ناقص و ما يصدر عنه من فعل أو قول لا يكون بالضرورة كاملا، ألا يستدعي هذا فينا و لو القليل من الشك فيما نفعله الأن أو نعتقده؟ كيف نجزم بفعل أو قول صدر من إنسان له إرادة الإختيار و غير مؤيد من صاحب الكمال المطلق أنه حقيقة كاملة و يقين مطلق؟ ألا يستدعي هذا أن نشك في أولئك الذين نستمد منهم أفكارنا و معتقداتنا؟ في صغري كنت دائما أحاول الشك في وجود الله أو أحاول وضع شكل له و كانت خيالات طفل لم يبلغ سن المدرسة بعد، فبحثي عن حقيقة الإيمان و جوهره جعلني أبحث في خيالي و أضع صور لكل شيء لا يمكنني أن أراه! لأنه إذا لم تكن له صورة و شكل فلا أستطيع تصديقه. و كان هذا مستوى تفكير الأطفال و لا ألام عليه. ما قصدته هو أن يكون الشك ملازما لنا في عملية التفكير و أن يبدأ بالشك في أنفسنا و قدراتنا و بعدها إلى معتقداتنا المتعلقة بأمور الدين و علاقتنا بالإله الذي نعبده. فإذا جزمنا بأن معتقداتنا عن ديننا الذي ندين به هي حقائق كاملة و يقين مطلق فهذا يؤدي بنا إلى الإستسلام لعدم الشك فيها و بالتالي عدم مراجعته، فكيف لصاحب دين خاطئ من الديانات الموجودة أن يراجع نفسه فيه إذا إستسلم لعدم الشك فيه؟ ثم ننتقل بالشك إلى أقرب الناس إلينا من الوالدين و الزوجة و الأولاد و الإخوة فالشك فيهم يدفعنا إلى الحدر أكثر و إلى أن لا نخدع من طرفهم، فهم سندنا الأساسي فإذا سلم هذا السند من الخطأ كنا أقوى على مجابهة ماينتظرنا في الخارج.
ثم ننتقل بالشك إلى الذين نستمد منهم مبادئنا و تربيتنا و معتقداتنا الدينية من مربين و أساتذه و شيوخ و آئمة. فالشك فيهم و فيما يصدر منهم من قول و فعل يدفعنا دوما إلى إجراء مقارنات مع غيرهم و مدى مطابقتها مع مايجب أن يكون، و يمكننا و ضع حد أقصى للتبريرات التي نصدقها من طرفهم، فإجتماع النقص الإنساني فيهم مع أننا لا يمكننا الإطلاع على نياتهم و سرائرهم و هدفهم من القيام بهذا، يجعل الشك فيهم أمر ضروري و بشكل دوري و منبها لنا عند الغفلة و منقدا لنا من الإستغلال من طرفهم، فجعل كل فعل أو قول يصدر منهم ليس حقيقة مطلقة مئة بالمئة بل معه نسبة من الشك تتفاوت حسب الشخص و المكان و الزمان أو لنسمها نسبة الخطأ الهامشي فقد يصدق هؤولاء الأشخاص و يكونوا مخلصين و أصحاب نية حسنة لكن النقص الإنساني الذي يعتري أي إنسان قد يؤدي بالخطأ الهامشي إلى خطأ أكبر و دون قصد و النتيجة أيضا خسارة لا مفر منها.
ثم ننتقل بالشك إلى الذين نتعامل معهم يوميا من أصدقاء و شركاء العمل و غيرهم ممن يمكن أن نصادفهم في حياتنا و تكون نسبة الشك و الثقة متفاوتة بين الأشخاص حسب الظروف.
فالشك يجب أن يكون عاملا أساسيا في عملية تفكيرنا شاملا لكل شيء فيها دون إستثناء، و ليس أفضل من أن يكون منهجي منظم و دوري أو قبل الأخد بفكرة أو كمنبه يرن في أوقات مختلفة لنراجع كل شيء فينا. و أعيد التذكير بأننا قصدنا بالشك، الشك المنهجي المؤقت حول أمر محدد كأسلوب و وسيلة و ليس كطبع في الشخصية أو كهدف لذاته.
الكاتب : #هشام_فلواط

عن الكاتب

abdellatef mapnha انا اخيك عبد اللطيف محب لنشر المعلومة وهذه مساحة اشارك فيها ما اتعلمه واستفيد منه علها يصل لها من يبحث ايضا ويختصر عليه الجهد والوقت. والحمد لله رب العالمين لا شريك له

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

العلم والعمل